Annonce

*** مبروك الادماج المباشر *** مبروك الادماج المباشر*** مبروك الادماج المباشر *** *** ***

dimanche 29 juin 2008

هكذا قالت حمامة

"أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتاه لو تشعرين بحالي"
بينما سرب الحمام يتبختر في الشارع الهادئ يحمل معه عبق السلام، عبق تنحني له نويخلات تزين الشارع المترنح لفرحة الحمام وفرحة الأطفال الصغار حوله وهي تطعمه من حبات الذرة وهو يلتقطها بسرعة البرق منتظرا المزيد، فجأة يلحظ المارة حركة غير عادية صراخ، هتافات، الكل يغير ناظره إلى مكان الضجيج، الهتاف يقترب، إنهم شباب وشابات في مقتبل العمر، لكن من هؤلاء؟ إنهم يحملون لافتة كبيرة ويردون شعارات تعبر عن مطالبهم. إنهم شباب طالتهم أنياب البطالة بعدما حصلوا على شواهد عليا، دكاترة وأطر عليا من كل التخصصات المعروفة أو الناذرة.
وقف المارة يتفرجون، توقف الأطفال عن اللعب أصابهم الهلع من جحافل المعطلين الذي يصرخون بكل ما أوتوا من قوة، شلت حركة السير، ضجيج السيارات، وحناجر بحت من الصراخ ومع ذلك مازلت تصرخ، عناصر الفرجة المسرحية متوفرة، الفضاء السينوغرافي، الإضاءة الإلهية، الشخصيات...، إنه مسرح الهواء الطلق، وعرض مجاني للعموم.
وليكتمل المشهد التراجيدي لا بد من حضور أهم الشخصيات، إنهم قوات التدخل السريع، أصحاب البذل الخضراء، ها هم قادمون، يهرولون في خطى ثابتة، والناس يترقبون متعطشون كالعادة لرؤية المئات من حاملي الشهادات وهي تتساقط تباعا كأوراق الخريف. لم يعد يسمع سوى صوت الصافرات، وصياح الفتيات، وهراوات تطلع وتنزل بطريقة آلية كما تنقب الدجاجة الحب، وهاهم أطر البلاد يتجارون بين كرّ وفرّ، وبين ضرب وصياح، وهرولة وجري إلى أن تنهك قواهم وقوى رجال الأمن، والويل الويل لمن طالته عصى القمع، ضرب ورفس وركل وسب وشتم يستحي المرئ من حتى مجرد التفكير فيه.
مازال المشهد مستمرا وإذا بها جحافل أخرى من الأطر العليا قادمة تحمل لافتة أخرى تردد نفس الشعارات تطالب بنفس المطالب، ويتكرر نفس السيناريو ويزداد الشارع احتقانا، وتتعالى الأصوات، رجال الأمن في حالة من التشتت لا يعرفون أية وجهة يسلكون، وأية تجمع يفرقون، لتزداد حيرتهم بفيلق ثالث من المعطلين الذي يحملون نفس الهم ونفس المطلب ونفس المعاناة تحت شعارات متشابهة.
عندما تصبح الوجوه شاحبة، وعندما تنزف الأجساد الرخامية ألما، وتنهك القوى، ويظهر الشفق الأحمر للشمس آذنا بالغروب، يبدأ المعطلون في الانسحاب رويدا روديا، ويعود رجال الأمن أدراجهم، يسود صمت رهيب لبرهة، ثم يستعيد الشارع حركته المعتادة، يعود الحمام إلى مكانه الذي أجبر على مغادرته لهنيهة، ويعود الأطفال لمداعبة أجنحة الحمام، وفي لحظة انفردت إحدى الحمامات بإحدى صويحباتها لتهمس في أذنها قائلة: " إيوا هاد التراكتور د الهمة مازل ما بغا يتحرك خلاص ويشوف من حال هاد الأطر ولا حادك غير فالتمثيل، أنا راني مليت عمرني كليت الذرة فخاطري من بداو يعتاصموا".

أسماء شاكر من التنسيقية.